فصل: 1ـ فصل في الأوراد وفضلها وتوزيع العبادات على مقادير الأوقات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر منهاج القاصدين **


كتاب الأذكار والدعوات وغيرها

أعلم‏:‏ أنه ليس بعد تلاوة القرآن عبادة تؤدى باللسان أفضل من ذكر الله سبحانه وتعالى، ورفع الحوائج بالأدعية الخالصة إليه تعالى، ويدل على فضل الذكر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاذكروني أذكركم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 152‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم‏}‏‏(1)(‏‏(‏قال ابن الجوزى في تفسير ‏ ‏زاد المسير‏ ‏ 1/527 بتحقيقنا طبع المكتب الإسلامي بدمشق‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم‏}‏ في الذكر ثلاثة أقوال‏:‏

(‏‏(‏قال ابن الجوزى في تفسير ‏ ‏زاد المسير‏ ‏ 1/527 بتحقيقنا طبع المكتب الإسلامي بدمشق‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم‏}‏ في الذكر ثلاثة أقوال‏:‏

الثانى‏:‏ أنه الذكر في الصلاة وغيرها، وهو قول طائفة من المفسرين‏.‏

الثالث‏:‏ أنه الخوف، فالمعنى‏:‏ يخافون الله قياماً في تصرفهم، وقعوداً في دعتهم، وعلى جنوبهم في قيامهم‏.‏

وتبين من هذا أن الآية ليس فيها مستدل لمن يجوز الرقص في حلقات الذكر‏)‏‏) ">(‏‏(‏قال ابن الجوزى في تفسير ‏"‏زاد المسير‏"‏ 1/527 بتحقيقنا طبع المكتب الإسلامي بدمشق‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم‏}‏ في الذكر ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنه الذكر في الصلاة يصلى قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، هذا قول على وابن مسعود وابن عباس وقتادة‏.‏

الثانى‏:‏ أنه الذكر في الصلاة وغيرها، وهو قول طائفة من المفسرين‏.‏

الثالث‏:‏ أنه الخوف، فالمعنى‏:‏ يخافون الله قياماً في تصرفهم، وقعوداً في دعتهم، وعلى جنوبهم في قيامهم‏.‏

وتبين من هذا أن الآية ليس فيها مستدل لمن يجوز الرقص في حلقات الذكر‏)‏‏)‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 190‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏والذاكرين الله كثيراً والذاكرات‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 35‏]‏‏.‏

وعن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إن الله عز وجل يقول‏:‏ أنا مع عبدى ما ذكرني وتحركت بى شفتاه‏"‏‏.‏ وفى أفراد مسلم عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة ‏(2)(‏‏(‏السكينة‏:‏ الوقار‏)‏‏)‏ " وذكرهم الله فيمن عنده (3)‏"‏ وفى ذلك أحاديث كثيرة مذكورة في فضائل الأعمال‏.‏وعن أبى هريرة رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما جلس قوم مجلساً فتفرقوا على غير ذكر الله عز وجل، إلا تفرقوا عن مثل جيفة الحمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة‏"‏‏.‏وفى حديث آخر‏.‏ ‏"‏لا يجلس قوم مجلساً لا يذكرون الله عز وجل ولا يصلون على النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة‏"‏‏.‏

وأما فضيلة الدعاء‏:‏ فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ليس شئ أكرم على الله عز وجل من الدعاء‏"‏ و‏"‏أشرف العبادة الدعاء ‏ ‏"‏ و‏"‏من لا يسأل الله يغضب عليه‏"‏‏.‏ وفى حديث أخر‏:‏ ‏"‏سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل‏"‏‏.‏

وللدعاء آداب‏:‏ من ذلك أن يتحرى الأوقات الشريفة، كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الشهور، والجمعة من الإسبوع، والسحر من الليل‏.‏ومن الأوقات الشريفة بين الآذان والإقامة، وعقيب الصلوات، وعند نزول الغيث، وعند القتال في سبيل الله، وعند ختم القرآن، وفى السجود، وعند الإفطار، وعند حضور القلب ووجله‏.‏ وعلى الحقيقة فإن شرف الأوقات يرجع إلى شرف الحالات، فإن وقت السحر وقت صفاء القلب وفراغه، وحالة السجود حالة الذل‏.‏

ومن آداب الدعاء أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه ثم يمسح بهما وجهه، وأن يخفض صوته حال الدعاء‏.‏ومن آدابه أن يبدأ بذكر الله عز وجل، ثم يصلى على النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ولا يتكلف السجع في الدعاء‏.‏ ومن آدابه وهو الأدب الباطن -وهو الأصل في الإجابة- التوبة ورد المظالم‏.‏

1ـ فصل في الأوراد وفضلها وتوزيع العبادات على مقادير الأوقات

أعلم‏:‏ أنه إذا حصلت المعرفة لله سبحانه والتصديق بوعده، والعلم بقصر العمر، وجب ترك التقصير في هذا العمر القصير، والنفس متى وقفت على فن واحد حصل لها ملل، فمن التلطف نقلها من فن إلى فن، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا* ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 25-26‏]‏، فهذا ونحوه مما ذكر من الآيات في ذلك يدل على أن الطريق إلى الله تعالى مراقبة الأوقات وعمارتها بالأوراد على الدوام، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي جعل الليل والنهارخلفه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 62‏]‏، أي يخلف أحدهما الآخر ليتدارك في أحدهما ما فات في الآخر‏.‏

2‏:‏ بيان عدد أوراد الليل والنهار وترتيبها

أوراد النهار سبعة، وأوراد الليل ستة، فلنذكر فضيلة كل ورد ووظيفته وما يتعلق به‏.‏

الورد الأول من أوراد النهار‏:‏ ما بين طلوع الفجر الثانى إلى طلوع الشمس، وهو وقت شريف، وقد أقسم الله تعالى به فقال‏:‏ ‏{‏والصبح إذا تنفس‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 18‏]‏‏.‏

فينبغي للمريد إذا انتبه من النوم أن يذكر الله سبحانه وتعالى فيقول‏:‏ ‏"‏الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور‏"‏‏.‏ روى ذلك عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم من أفراد البخاري‏.‏

وفى أفراد مسلم، من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمسى قال‏:‏ ‏"‏أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر‏"‏‏.‏وإذا أصبح قال ذلك أيضاً‏:‏ ‏"‏أصبحنا وأصبح الملك لله‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏ إلى آخره، ويقول‏:‏ ‏"‏بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم‏"‏ ثلاث مرات، ‏"‏رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً‏"‏‏.‏فإذا صلى الفجر قال وهو ثان رجله قبل أن يتكلم‏:‏ ‏"‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شئ قدير‏"‏ عشر مرات‏.‏

ويذكر سيد الاستغفار‏:‏ ‏"‏اللهم أنت ربى، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك،وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك (4)‏ بنعمتك على، وأبوء بذنبى، فاغفر لى، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت‏"‏‏.‏

ويقول‏:‏ ‏"‏أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً (5)‏(‏‏(‏أي‏:‏ مائلاً من جميع الأديان إلى الإسلام‏)‏‏) "‏ مسلماً، وما كان من المشركين‏"‏‏.‏ ويدعو ‏"‏اللهم أصلح لى ديني الذى هو عصمة أمري، وأصلح دنياي التي فيها ماشى، وأصلح لى آخرتى التي فيها معادى، واجعل الحياة زيادة لى في كل خير، واجعل الموت راحة لى من كل شر‏"‏‏.‏ويدعو بدعاء أبى الدرداء‏:‏ ‏"‏اللهم أنت ربى، لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم، أعلم أن الله على كل شئ قدير، وأن الله قد أحاط بكل شئ علماً‏.‏ اللهم إني أعوذ بك من شر نفسى، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربى على صراط مستقيم‏"‏

فهذه الأدعية لا يستغني المريد عن حفظها‏.‏ وينبغى له قبل خروجه إلى صلاة الفجر أن يصلى السنة في منزله ثم يخرج متوجهاً إلى المسجد ويقول‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا، فإني لم أخرج أشراً ‏(‏‏(‏أي‏:‏ بطراً‏)‏‏)‏ ولا بطراً، ولا رياء ولا سمعة،خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ‏"‏‏.‏فإذا دخل المسجد فليقل ما روى مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثم ليقل‏:‏ اللهم افتح لى أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أسألك من فضلك‏"‏، ثم يطلب الصف الأول منتظراً للجماعة داعيا بنحو ما تقدم من الأذكار والأدعية‏.‏ فإذا صلى الفجر استحب أن يمكث في مكانه إلى طلوع الشمس‏.‏

فقد روى أنس رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذى، قال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏ وليكن وظائف وقته أربعاً‏:‏ الدعاء، الذكر، والقراءة، والفكر‏.‏ وليأت بما أمكنه، وليتفكر في قطع القواطع، وشغل الشواغل عن الخير ليؤدى وظائف يومه، وليتفكر في نعم الله تعالى ليتوفر شكره‏.‏

الورد الثانى‏:‏ ما بين طلوع الشمس إلى الضحى، وذلك بمضي ثلاث ساعات من النهار، إذا فرض النهار اثنتي عشرة ساعة، وهو الربع، وهذا وقت شريف، وفيه وظيفتان‏:‏ أحدهما‏:‏ صلاة الضحى .‏

والثاني‏:‏ القيلولة، فإنها مما تعين على قيام الليل، كما يعين السحور على صيام النهار، فإن نام فليجتهد في الانتباه قبل الزوال بقدر الاستعداد للصلاة قبل دخول الوقت‏.‏

واعلم‏:‏ أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، فالاعتدال أن ينام من ذلك الثلث، وهو ثمان ساعات، فمن نام أقل من ذلك لم يأمن اضطراب بدنه، ومن نام أكثر من ذلك كثر كسله، فذا نام أكثر من ذلك فت الليل فلا وجه لنومه في النهار، بل من نقص منه استوفى ما نقص في النهار‏.‏

الورد الرابع‏:‏ ما بين الزوال إلى الفراغ من صلاة الظهر، وهو أقصر أوراد النهار وأفضلها، فينبغي له بى هذا الوقت إذا أذن المؤذن أن يجيبه بمثل قوله، ثم يقوم فيصلى أربع ركعات، ويستحب أن يطيلهن، فإن أبواب السماء تفتح حينئذ، ثم يصلى الظهر وسنتها ، ثم يتطوع بعدها بأربع‏.‏

الورد الخامس‏:‏ ما بعد ذلك إلى العصر، فيستحب له في هذا الوقت الاشتغال بالذكر، والصلاة، وفنون الخير، ومن أفضل الأعمال انتظار الصلاة بعد الصلاة‏.‏

الورد السادس‏:‏ إذا دخل وقت العصر إلى أن تصفر الشمس، وليس في هذا الوقت صلاة سوى أربع ركعات بين الأذانين، ثم فرض العصر، ثم يتشاغل بالأقسام الأربعة التي سبق ذكرها في الورد الأول، والأفضل فيه تلاوة القرآن والتدبر والتفهم‏.‏

الورد السابع‏:‏ من اصفرار الشمس إلى أن تغرب، وهو وقت شريف‏.‏ قال الحسن البصري رحمه الله ‏:‏ كانوا أشد تعظيماً للعشي من أول النهار، فيستحب في هذا الوقت التسبيح والاستغفار خاصة‏.‏

وبالمغرب تنتهي أوراد النهار فينبغي أن يلاحظ العبد أحواله ويحاسب نفسه، فقد انقضت من طريقه مرحلة‏.‏ وليعلم أن العمر أيام تنقضي جملتها بانقضاء آحادها‏.‏

قال الحسن‏:‏ يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا مضى يومك مضى بعضك‏.‏ وليتفكر هل ساوى يومه أمسه، فإن رأى أنه قد توفر على الخير في نهاره، فليشكر الله سبحانه وتعالى على التوفيق، فإن تكن الأخرى، فليتب وليعزم على تلافى ما سبق من التفريط في الليل، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وليشكر الله تعالى على صحة جسمه، وبقاء بقية من عمره يمكن فيها استدراك التقصير، وقد كان جماعة من السلف يستحبون أن لا ينقضي يوم إلا عن صدقة، ويجتهدون فيما أمكن من كل خير‏.‏

3ـ ذكر أوراد الليل

الورد الأول ‏:‏إذا غربت الشمس إلى وقت العشاء، فإذا غربت صلى المغرب واشتغل بإحياء ما بين العشاءين، فقد روى أنس رضى الله عنه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون‏}‏ ‏[‏السجدة ‏:‏ 16‏]‏‏.‏ أن هذه الآية نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا يصلون بين المغرب والعشاء‏.‏

وعن أبى هريرة، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏من صلى بعد المغرب ست ركعات ولم يتكلم فيما بينهن بسوء، عدلن له بعبادة اثنتي عشرة سنة‏"‏‏.‏ رواه الترمذى ‏‏‏.‏

الورد الثانى‏:‏من غيبوبة الشفق الأحمر إلى وقت النوم، يستحب أن يصلى بين الأذانين ما أمكنه، وليكن في قراءته ‏:‏ ‏{‏آلم تنزيل الكتاب‏}‏ ‏[‏السجدة ‏:‏ 1‏]‏ و‏{‏ تبارك الذي بيده الملك‏}‏ ‏[‏تبارك ‏:‏ 1‏]‏‏.‏ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقرأهما‏.‏

وفى حديث آخر، عن ابن مسعود رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة‏"‏ .‏

الورد الثالث‏:‏الوتر قبل النوم، إلا من كان عادته القيام بالليل، فإن تأخيره في حقه أفضل، قالت عائشة رضى الله عنها من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر‏.‏ متفق عليه، ثم ليقل بعد الوتر‏:‏ ‏"‏ سبحان الملك القدوس‏"‏ ثلاث مرات‏.‏

الورد الرابع ‏:‏ النوم، وإنما عددناه من الأوراد، لأنه إذا روعيت آدابه وحسن المقصود به احتسب عبادة‏.‏ وقد قال معاذ رضى الله عنه‏:‏ إني لأحتسب في نومتى كما أحتسب في قومتى‏.‏

فمن أدأب النوم‏:‏ أن ينام على طهارة، لما روت عائشة رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن ينام يتوضأ وضوءه للصلاة‏.‏ وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما‏:‏ إن الأرواح يعرج بها في منامها إلى السماء فتؤمر بالسجود عند العرش، فما كان منها طاهراً سجد عند العرش، وما كان ليس بطاهر سجد بعيداً عن العرش‏.‏

ومن آدابه أن يتوب قبل نومه، لأنه ينبغي لمن طهر ظاهره أن يطهر باطنه، لأنه ربما مات في نومه‏.‏ ومنها‏:‏ أن يزيل كل غش في قلبه لمسلم، ولا ينوى ظلمه، ولا يعزم على خطيئة إذا استيقظ‏.‏

ومنها ‏:‏ أن لا يبيت من له شئ يوصى به إلا ووصيته مكتوبة عنده، لأن في ‏"‏الصحيحين‏"‏ من حديث ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده‏"‏‏.‏

وينبغى له أيضا أن لا يبالغ فت تمهيد الفراش متنعماً بذلك، فإنه يزيد في النوم، فإن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثنى له فراشة فقال‏:‏ منعتني وطأته صلاتي الليلة‏"‏‏.‏ وينبغى أن لا ينام حتى يغلبه النوم، فقد كان السلف لا ينامون إلا غلبة‏.‏

ومن آدابه أن يستقبل القبلة وأن يدعو بما ورد في الأحاديث في ذلك، أن ينام على جنبه الأيمن ، فمما جاء في ذلك ما روى أبو هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزارة، فإنه لا يدرى ما حدث بعده‏"‏‏.‏فإذا وضع جنبه فليقل‏:‏ ‏"‏ باسمك ربى وضعت جنبي وبك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فاغفر لها ، وإن أرسلتها فاحفظها (6)‏(‏‏(‏هذه إشارة إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى‏}‏‏)‏‏)‏ "بما تحفظ به عبادك الصالحين‏"‏ أخرجاه في ‏"‏الصحيحين‏"‏‏.‏

وفى ‏"‏الصحيحين‏"‏ أيضاً، من حديث عائشة، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم نفخ فيهما وقرأ فيهما‏:‏ ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ و‏{‏وقل أعوذ برب الفلق‏}‏ و‏{‏قل أعوذ برب الناس‏}‏، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات‏.‏ وفيهما من حديث البراء بن عازب رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ‏:‏ ‏"‏ إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل‏:‏ اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك آذى أرسلت، فإنك إن مت ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيراً‏"‏‏.‏

وعن على رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له ولفاطمة‏:‏ ‏"‏إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، وكبراه أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم‏"‏ متفق عليه‏.‏ وحديث أبى هريرة في حفظ زكاة رمضان مشهور، وفيه أن شيطاناً قال له ‏:‏ إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربه شيطان ‏.‏ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أما إنه قد صدقك وهو كذوب‏"‏‏.‏ وفى أفراد مسلم أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال‏:‏ ‏"‏الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافى له ولا مأوى‏"‏‏.‏ فإن استيقظ للتهجد، فليدع بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاءك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق،والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لى ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت‏"‏ وفى رواية‏:‏ وما أنت أعلم به منى، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ‏"‏ متفق عليه‏.‏

وليجتهد أن يكون آخر كلامه عند النوم ذكر الله تعالى، وأول ما يجرى على لسانه عند التيقظ ذكر الله تعالى، فهاتان علامتان على الإيمان‏.‏

الورد الخامس من أوراد الليل‏:‏ يدخل بمضي النصف الأول إلى أن يبقى من الليل سدسه، وذلك وقت شريف‏.‏ قال أبو ذر رضى الله عنه ‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ أي صلاة الليل أفضل‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏ نصف الليل أو جوف الليل، وقليل فاعله

وروى أن داود عليه السلام قال‏:‏ يا رب، أية ساعة أقوم لك‏؟‏ فأوحى الله تعالى إليه‏:‏ يا داود لا تقم أول الليل ولا آخرة، ولكن قم في شطر الليل حتى تخلو بى وأخلو بك، وارفع إلىَّ حوائجك‏.‏

فإذا قام إلى التهجد، قرأ العشر آيات من آخر سورة ‏{‏آل عمران‏}‏، كما روى في ‏"‏الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك ، وليدع بما سبق من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم عند قيامه من الليل، ثم يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه ، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ إذا قام أحدكم يصلى بالليل، فليبدأ بركعتين خفيفتين‏"‏ رواه مسلم، ثم يصلى مثنى مثنى، وأكثر ما روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، وأقلهن سبع‏.‏

الورد السادس من الليل‏:‏ السدس الأخير وهو وقت السحر ، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وبالأسحار هم يستغفرون‏}‏ ‏[‏الذاريات ‏:‏ 18‏]‏‏.‏وفى الحديث ‏:‏ إن قراءة الرجل آخر الليل محضورة‏.‏

وجاء طاووس إلى رجل وقت السحر فقالوا‏:‏ هو نائم ، فقال‏:‏ ما كنت أرى أن أحداً ينام وقت السحر‏.‏ فإذا فرغ المريد من صلاة السحر، فليستغفر الله عز وجل‏.‏ وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يفعل ذلك‏.‏

4ـ فصل في اختلاف الأوراد باختلاف الأحوال

اعلم‏:‏ أن السالك لطريق الآخرة لا يخلو من ستة أحوال‏:‏ إما أن يكون عابداً، أو عالماً، أو متعلما، أو والياً، أو محترفاً، أو مستغرقا بمحبة الله عز وجل مشغولاً به عن غيره‏.‏

الأول‏:‏ العابد‏:‏ وهو المنقطع عن الأشغال كلها إلى التعبد، فهذا يستعمل ما ذكرنا من الأوراد، وقد تختلف وظائفه، فقد كانت أحوال المتعبدين من السلف مختلفة، فمنهم من كان يغلب على حاله التلاوة، حتى يختم في يوم ختمة، أو ختمتين ‎، أو ثلاثاً، وكان فيهم من يكثر التسبيح، ومنه من يكثر الصلاة، ومنه من يكثر الطواف بالبيت‏.‏

فإن قيل‏:‏ فما الأولى أن يصرف إليه أكثر الأوقات من هذه الأوراد‏؟‏

فاعلم أن قراءة القرآن في الصلاة قائما مع التدبر يجمع الجميع، ولكن ربما عسرت المواظبة على ذلك، والأفضل يختلف باختلاف حال الشخص، ومقصود الأوراد تزكية القلب وتطهيره، فلينظر المريد ما يراه أشد تأثيراً فيه فليواظب عليه، فإذا أحس بملل انتقل عنه إلى غيره‏.‏

قال أبو سليمان الدارانى‏:‏ فإذا وجدت قلبك في القيام فلا تركع، وإذا وجدته في الركوع فلا ترفع‏.‏

الثانى‏:‏ العالم‏:‏ الذي ينتفع الناس بعلمه في فتوى، أو تدريس، أو تصنيف، أو تذكير، فترتيبه في الأوراد يخالف ترتيب العابد فإنه يحتاج إلى المطالعة في الكتب، والتصنيف والإفادة، فان استغرق الأوقات في ذلك، فهو أفضل ما يشتغل به بعد المكتوبات، وإنما نعنى بالعلم المقدم على العبادة الذي يرغب في الآخرة، ويعين على سلوك طريقها، والأولى بالعالم أيضاً أن يقسم أوقاته، لأن استغراق الأوقات في العلم لا تصبر عليه النفس، فينبغي أن يخص ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس بالأذكار والأوراد على ما ذكرنا، ثم ما بعد طلوع الشمس إلى الضحى في الإفادة والتعليم، فإن لم يكن عنده من يتعلم، صرف ذلك الزمان إلى التفكير في العلوم، فان صفاء القلب بعد الفراغ من الذكر وقبل الاشتغال بهموم الدنيا يعين على التفطن للمشكلات ، ثم من ضحوة النهار إلى العصر للتصنيف والمطالعة، لا يترك ذلك إلا في وقت أكل ، أو طهارة، أو مكتوبة، أو قيلولة، ومن العصر إلى اصفرار الشمس بسماع ما يقرأ عليه من تفسير، أو حديث، أو علم نافع، ومن الاصفرار إلى الغروب يشتغل بالاستغفار والتسبيح، فيكون ورده الأول من عمل اللسان، والثاني بى عمل القلب بالتفكير، والثالث في عمل العين واليد والمطالعة والنسخ، والرابع بعد العصر صفى عمل السمع لتتروح العين واليد، فان المطالعة والنسخ بعد العصر ربما أضر بالعين‏.‏

وأما الليل‏:‏ فأحسن قسمة فيه قمسة الشافعي رحمه الله، فانه كان يقسمه ثلاثة أجزاء‏:‏ الثلث الأول لكتابة العلم، والثاني للصلاة، والثالث للنوم، فأما الصيف، فربما لا يحتمل ذلك، إلا إذا كان أكثر النوم بالنهار‏.‏

الثالث‏:‏ حال المتعلم‏:‏ فإن المتعلم أفضل من التشاغل بالأذكار والنوافل، وحكم المتعلم حكم العالم في ترتيب الأوراد، لكنه يشتغل بالاستفادة حين يشتغل العالم بالإفادة، وبالتعليق والنسخ حين يشتغل العالم بالتصنيف، فإن كان من العوام كان حضوره مجالس الذكر والعلم والوعظ أفضل من اشتغاله بالأوراد المتطوع بها‏.‏

الرابع‏:‏ توالى‏:‏ مثل الإمام، والقاضى، أو المتوفى للنظر في أمور المسلمين، فقيامه بحاجات المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة، لأنه عبادة يتعدى نفعها، فينبغي أن يقتصر في النهار على المكتوبات، ثم يستفرغ باقي الزمان في ذلك، ويقنع بأوراد الليل‏.‏

الخامس‏:‏ المحترف‏:‏ وهو محتاج إلى الكسب له أو لعياله، فليس له أن يستغرق الزمان في التعبد، بل يجتهد في الكسب مع دوام الذكر، فإذا حصل له ما يكفيه عاود الأوراد‏.‏

السادس‏:‏ المستغرق بمحبة الله سبحانه‏:‏ فهذا ورده بعد المكتوبات حضور القلب مع الله تعالى، وهو يحركه إلى ما يريد من ورده‏.‏وينبغى أن يداوم على الأوراد، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ أحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل‏"‏ ‏.‏ وكان النبى صلى الله عليه وآله وسلم عله ديمة‏.‏

5ـ باب في قيام الليل وفضله والأسباب الميسرة لقيامه ونحو ذلك

قال الله تعالى ‏{‏تتجافى جنوبهم عن المضاجع‏}‏ ‏[‏السجدة ‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وهو قربة إلى ربكم ومغفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم‏"‏ وفى فضله أحاديث كثيرة‏.‏

وقال الحسن البصري رحمه الله ‏:‏ لم أجد من العبادة شيئاً أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له ‏:‏ ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها ‏؟‏ فقال‏:‏ لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره‏.‏

6ـ فصل في الأسباب الميسرة لقيام الليل

اعلم‏:‏ أن قيام الليل صعب إلا من وفق للقيام بشروطه الميسرة له‏.‏

فمن الأسباب ظاهر، ومنها باطن‏.‏

فأما الظاهر‏:‏ فأن لا يكثر الأكل، كان بعضهم يقول‏:‏ يا معشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فتناموا كثيراً، فتخسروا كثيراً‏.‏

ومنها‏:‏ أن لا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال الشاقة‏.‏

ومنها ‏:‏ أن لا يترك القيلولة بالنهار، فإنها تعين على قيام الليل‏.‏

ومنها ‏:‏ أن يتجنب الأوزار‏.‏

قال الثوري‏:‏ حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته‏.‏

وأما الميسرات الباطنة‏:‏ فمنها سلامة القلب للمسلمين، وخلوه من البدع، وإعراضه عن فضول الدنيا‏.‏

ومنها‏:‏ خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل‏.‏

ومنها‏:‏ أن يعرف فضل قيام الليل‏.‏

ومن أشرف البواعث على ذلك الحب لله تعالى، وقوة الإيمان بأنه إذا قام ناجى ربه، وأنه حاضره ومشاهده، فتحمله المناجاة على طول القيام‏.‏قال أبو سليمان رحمه الله‏:‏ أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا‏.‏ وفى ‏"‏صحيح مسلم‏"‏ عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه إياه، وذلك كل ليلة‏"‏‏.‏

وإحياء الليل مراتب‏:‏

أحدها ‏:‏ أن يحيى الليل كله، روى ذلك عن جماعة من السلف‏.‏

الثانية‏:‏ أن يقوم نصف الليل، وهو مروى أيضاً عن جماعة من السلف وأحسن الطريق في هذا أن ينام الثلث الأول من الليل، والسدس الأخير منه‏.‏

المرتبة الثالثة‏:‏ أن يقوم ثلث الليل، فينبغي أن ينام النصف الأول، والسدس الأخير، وهو قيام داود عليه السلام‏.‏ ففى ‏"‏الصحيحين‏"‏‏:‏ ‏"‏أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه‏"‏، ونوم آخر الليل حسن، لأنه يذهب آثار النعاس من الوجه بالغداة، ويقلل صفرته‏.‏

المرتبة الرابعة‏:‏ أن يقوم سدس الليل أو خمسه، والأفضل من ذلك ما كان في النصف الآخير، وبعضهم يقول‏:‏ أفضله السدس الأخير‏.‏

المرتبة الخامسة‏:‏ أن لا يراعى التقدير، فان مراعاة ذلك صعب‏.‏

ثم فيما يفعله طريقان‏:‏

أحدهما ‏:‏ أن يقوم أول الليل إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام، فإذا غلبه النوم نام، وهذا من أشد المكابدة، وهو طريق جماعة من السلف‏.‏

وفى ‏"‏الصحيحين‏"‏ من حديث أنس رضى الله عنه‏:‏ ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصلياً من الليل إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه‏.‏ وكان عمر رضى الله عنه يصلى من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله، فيقول‏:‏ الصلاة الصلاة‏.‏

وقال الضحاك‏:‏ أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الضجعة‏.‏الطريق الثانى‏:‏ أن ينام أول الليل، فإذا أخذ حظه من النوم، وانتبه، ، قام الباقي‏.‏قال سفيان الثوري‏:‏ إنما هو أول نومة، فإذا انتبهت لم أقلها‏.‏-يعنى ‏:‏ لم ينم-‏.‏

المرتبة السادسة‏:‏ أن يقوم مقدار أربع ركعات أو ركعتين ، فقد روينا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ‏:‏ ‏"‏ صلوا من الليل، صلوا أربعاً، صلوا ركعتين‏"‏‏(7)(‏‏(‏إسناده ضعيف رواه البيهفى في ‏ "(‏‏(‏إسناده ضعيف رواه البيهفى في ‏ "(8)(‏‏(‏إسناده ضعيف رواه البيهفى في ‏"‏ شعب الإيمان‏"‏ وابن نصر في قيام الليل عن الحسن مرسلاً‏)‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏

وفى ‏"‏سن أبى داود‏"‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا جميعاً ركعتين، كتبا ليلتئذٍ من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات‏"‏‏.‏ وكان طالحة بن مصرف يأمر أهله بقيام الليل، ويقول‏:‏ صلوا ركعتين، فإن الصلاة في جوف الليل تحط الأوزار‏.‏

فهذه طرق قسمة الليل، فليتخير المريد لنفسه ما يسهل عليه، فان صعب القيام عليه بى وسط الليل، فلا ينبغي أن يخل بإحياء ما بين العشاءين وورد السحر، ليكون قائماً في الطرفين وهذه مرتبة سابعة‏.‏

7ـ فصل ‏[‏فيمن صعبت عليه الطهارة في الليل‏]‏

فأما من صعبت عليه الطهارة في الليل، وثقلت عليه الصلاة، فليجلس مستقبل القبلة وليذكر الله تعالة، وليدع مهما قدر‏.‏ فان لم يجلس فليدع وهو مضطجع، ومن كان له ورد فغلبه النوم وفاته، فليأت به بعد صلاة الضحى‏.‏ فقد ورد ذلك في الحديث‏.‏ وليحذر من له عادة بقيام الليل أن يتركها، ففى ‏"‏ الصحيحين‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعبد الله بن عمرو‏:‏ ‏"‏لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل‏.‏ ‏"‏‏.‏

8ـ فصل في بيان الليالي والأيام الفاضلة

أما الليالي المخصوصات بمزيد الفضل التي يستحب إحياؤها، فخمس عشرة ليلة ولا ينبغي للمريد أن يغفل عنهن، لأنه إذا غفل التاجر عن موسم الربح فمتى يربح‏؟‏‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‏!‏ فمن هذه الليالي سبع في رمضان‏:‏ الليلة السابعة عشرة، وهى التي كانت صبيحتها وقعة بدر، والست الباقية هن أوتار العشر ، إذا فيهن تطلب ليلة القدر وأما الثمان الآخر‏:‏ فأول ليلة من المحرم، وليلة عاشوراء، وليلة النصف من شعبان، وليلة عرفة، وليلتا العيدين ‏(9).‏وقد ورد صلوات لبعض هذه الليالي وليس فيها ما يثبت‏.‏

وأما الأيام الفاضلة فتسعة عشر يوماً‏:‏ يوم عرفة، ويوم عاشوراء، ويوم سبع وعشرين من رجب، وهو أول يوم هبط فيه جبريل على النبى صلى الله عليه وآله وسلم ويوم سبع عشرة من رمضان كان فيه وقعة بدر، ويوم النصف من شعبان ، ويوم الجمعة، ويوما العيدين، والأيام المعلومات وهى عشر ذي الحجة، والأيام المعدودات وهى أيام التشريق‏.‏ ومن فواضل الأيام في الأسبوع‏:‏ يوم الاثنين، والخميس، وأيام البيض‏.‏ وفيها فضل كبير مذكور في فضائل الصوم‏.‏

آخر كتاب الأوراد، وهو آخر ربع العبادات، وبالله التوفيق‏.‏